ماجد كيالي يكتب : حقيقة الأزمة بين الإدارة الأميركية الحالية و الحكومة الإسرائيلية

ثمة أزمة كبيرة بين الإدارة الأميركية الحالية والحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، مع ذلك من الخطأ المبالغة في الاستنتاج أن تلك الأزمة ستطال مبدأ العلاقات الاستراتيجية الوثيقة بين الطرفين، أو أنها ستقلل من شأن ضمان الولايات المتحدة لأمن إسرائيل واستقرارها وتفوقها في المنطقة، من النواحي العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية.
الحقيقة أن الأزمة الحالية ليست الأولى من نوعها في العلاقة بين البلدين، إذ حصل مثلها في عهد رؤساء الولايات المتحدة السابقين، لا سيما جيمي كارتر وجورج بوش (الأب) وباراك أوباما، وها هو يحصل في عهد الرئيس الحالي جو بايدن.

ما يفترض إدراكه، أيضاً، أن تلك الأزمة تبدو داخل البيت، وهي تحت سقف محدد لها، بخاصة أن إسرائيل منذ إقامتها، قبل 75 عاماً (1948) ظلت تبدو كالولاية 51 للولايات المتحدة، وظلت، رغم كل خلافاتها مع بعض الإدارات، تحظى بدعم الولايات المتحدة، وبتغطية منها لسياساتها إزاء الفلسطينيين، وفي الشرق الأوسط.

وعليه، فإن ذلك لا يفيد بأن إسرائيل تشتغل كتابع للولايات المتحدة، ولا أن الولايات المتحدة، تخضع لإملاءات اللوبي اليهودي فيها، إذ إن هاتين النظرتين تنطويان على نوع من السذاجة والتبسيط وعقلية المؤامرة، وهما لا تفسران الواقع الذي تتسم به كل السياسات في الدول الغربية، والتي تتيح وجود اختلافات، وتباينات، بين الأطراف، والتوصل إلى تقاطعات، وهذا ما يفسر العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية، الوثيقة، والفريدة من نوعها.

ما تقدم لا ينفي وجود تطورات، أو تحولات، في إدراكات الأميركيين، ناجمة عن انكشاف إسرائيل كدولة استعمارية وعنصرية، وتستخدم القوة المفرطة لتكريس احتلالها لأراضي الفلسطينيين، والسيطرة عليهم، من دون مبالاة بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، وبالقيم المتعلقة بالديموقراطية وحقوق الإنسان، ويأتي ضمن ذلك تراجع نسبة التأييد لإسرائيل في المجتمع الأميركي، لا سيما في الأوساط المؤيدة للحزب الديموقراطي، بخاصة في أوساط الشباب.
هكذا، يمكن فهم التبرم الواضح في الإدارة الأميركية من حكومة نتنياهو التي تعتبر أكثر حكومة تطرفاً عرفتها إسرائيل منذ إقامتها، لا سيما مع وجود الوزيرين بتسلئيل سمتريتش (زعيم حزب الصهيونية الدينية) وهو وزير المالية ووزير في وزارة الدفاع (2) وإيتمار بن غفير (زعيم حزب قوة اليهودية) وهو وزير الأمن القومي، وهي الحكومة التي شرعنت الاستيطان في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة (1967)، وسمحت لعصابات المستوطنين، بحماية الجيش الإسرائيلي، من الاعتداء على الفلسطينيين في القرى والمدن، وهو ما جرى في حوارة قرب نابلس، وترمسعيا قرب رام الله، وهو ما يجري باستمرار في القدس الشرقية.

ومشكلة إسرائيل مع الإدارة الأميركية، أن ما يجري إزاء الفلسطينيين يتوازى مع سعي حكومة نتنياهو إلى إحداث انقلاب في النظام الإسرائيلي، بتقويض الفصل بين السلطات، وإطاحة السلطة القضائية، وتهميش مكانة المحكمة العليا، ما يضعف قيمة الديموقراطية في إسرائيل (بالنسبة إلى مواطنيها اليهود)، ويجنح بها نحو الدكتاتورية، والعنصرية؛ وهذا ما يحذر منه عدد من أصحاب الرأي من مثقفين وأكاديميين وكتاب في إسرائيل، وهو ما يعبر عنه جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي في التظاهرات العارمة التي تشهدها تل أبيب، خاصة، للتعبير عن رفض ما يعتبر بمثابة انقلاب سياسي يدبره نتنياهو وسميتريتش وبن غفير.

في هذا الإطار، وجدت الإدارة الأميركية نفسها في مسار تصادمي مع سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية، إلى درجة أن الرئيس الأميركي لم يوجه الدعوة لنتنياهو إلى زيارة واشنطن، وهو تقليد متبع، بل إن تلك الدعوة وجهت للرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ.
أيضاً، ثمة من المحللين الأميركيين، من يرى أن الإدارة الأميركية بصدد “إعادة تقييم” علاقاتها مع إسرائيل، وهو رأي عبر عنه توماس فريدمان، المحلل السياسي في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية (12/7)، بقوله: “تلقّت إسرائيل أكبر مساعدة خارجية أميركية من أي دولة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، بقيمة 146 مليار دولار… هذا يستحق المزيد من الاحترام لرئيس الولايات المتحدة من (وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار) بن غفير”. وكان بن غفير قد رد على انتقادات بايدن باعتبار أن حكومة إسرائيل المنتخبة هي وحدها من يقرر السياسات الإسرائيلية، وهو ترداد لما سبق أن قاله نتنياهو أيضاً.

وعن ذلك كتب المحلل الإسرائيلي شمعون شيفر: “الرسالة التي تأتي إلى القدس في كل قناة من إدارة بايدن إلى نتنياهو لا لبس فيها: الحكومة التي أقامتها مع الشركاء الذين يضمون بن غفير وسموتريتش، والخطف الذي تسمح به لتغيير طريقة النظام في إسرائيل ليست مقبولة … ما يجري الآن بين نتنياهو وبايدن لم يحصل أبداً في منظومة العلاقات المتبادلة: الخلاف ليس على مستقبل “المناطق”، بل على الاعتراف في واشنطن بأن نتنياهو يسمح لشركائه بتحطيم كل الأدوات التي يتشكل منها المجتمع وتجعله كياناً سليماً… بكلمات أخرى، على الإسرائيليين أن يقرروا في أي دولة يريدون أن يعيشوا”. (“يديعوت”، 14/7)

أما يوآف ليمور فعبر عن رأيه في الأزمة الحاصلة بقوله: “من لا يفهم أهمية الولايات المتحدة لوجود إسرائيل لا يفهم شيئاً… إسرائيل يمكنها أن تكون من دون الولايات المتحدة، لكن هذا سيكون وجوداً آخر تماماً… هذه جملة المنصات الأمنية – الجوية أساساً – التي تضع الجيش الإسرائيلي خطوة وأحياناً أكثر، قبل كل دولة أخرى في المنطقة، وتعظم الردع وتبعد الحرب… هذا هو الفيتو الدائم في مجلس الأمن… هذا تفهم كل دولة، صديقة ومعادية، بأنه خلف الـ10 ملايين إسرائيلي يقف أيضاً 330 مليون أميركي يساعدونهم في كل أزمة وضائقة. كانت إسرائيل من دون هذا ستغرق في حروب زائدة أخرى، ولا تحظى باتفاقات سلام وتطبيع منشودة (بما في ذلك الخليج). من دون هذا ما كانت أيضاً لتتمتع بأرباح اقتصادية سمينة. واستمراراً لذلك، الاستثمارات المستقبلية بالتكنولوجيا… من المجدي الإنصات للأصوات التي تأتي من الصديقة الفضلى والأكثر إخلاصاً لإسرائيل… ليس متأخراً بعد الإنصات والإصلاح، قبل أن يكون الضرر اللاحق هداماً ولا رجعة عنه”. (“إسرائيل اليوم”/ 14/7)

وكان تسفي برئيل أكثر تحديداً، فبرأيه فإن “إسرائيل ذخر استراتيجي للولايات المتحدة… المسّ بها هو مس بأمن الولايات المتحدة. ولكن الأميركيين لم يقدروا أن حكومة إسرائيل نفسها ستتحول إلى تهديد أمني على دولتهم وستضر بمكانة واشنطن الاستراتيجية… اكتفت واشنطن على أكثر الأحوال بالصراخ والتوبيخ والضغط في كل ما يتعلق بإقامة المستوطنات. وحتى خرق حقوق الإنسان، والتمييز، ونظام الأبرتهايد في “المناطق” [الضفة الغربية]، كل ذلك لم يزعجها… ترى واشنطن الآن بخوف كيف أن “ذخرها الاستراتيجي” وحليفتها المقربة جداً، تندمج جيداً في منظومة الدول المنبوذة، وكيف تحطم حكومتها برئاسة بنيامين نتنياهو قدرتها على تحقيق التزامها أمن إسرائيل… أصبحت إسرائيل تشبه دول المنطقة الأخرى. وهي تزيل عن نفسها وبسرعة كل الأمور التي رسخت شراكتها مع الغرب عموماً ومع أميركا خاصة”. (“هآرتس”، 12/7)

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock