أعميار عبد المطلب يكتب : الأصول الاجتماعية و الثقافية للوطنية المغربية

بداية أود أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل الأخوات والأخوة الذين تفاعلوا بشكل ايجابي مع المبادرة التي أطلقناها باستعراض مجموعة من الكتب المغربية في سلسلة ” كتاب وفكرة” عبر الفايسبوك للتعريف بأهم الأطروحات والمساهمات الفكرية الرائدة التي ساهمت في اغناء الحقل الثقافي الوطني من مواقع مختلفة. والهدف الأساسي من هذا العمل ليس هو تحليل مضامين الأعمال التي سنختارها، ولا إصدار أحكام بشأنها، بل الهدف هو التعريف بها واسترجاعها إلى مجال التداول الثقافي المغربي كمراجع لايمكن الاستغناء عنها لفهم سيرورة التحولات التاريخية الراهنة ، وللاسترشاد بها، عند الضرورة، في تحليل القضايا المجتمعية والسياسية المستجدة. وحيث انني أدرك الصعوبة المنهجية في اختزال كتاب في فكرة أو مجموعة من ألأفكار ، فإنني أعتذر مسبقا عن كل أوجه القصور الذي قد يعترض هذا العمل . والله ولي التوفيق.
ونستهل هذه السلسلة بكتاب ” الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية-1830-1912″ للمفكر المغربي عبد الله العروي. وهو في الأصل رسالة دكتوراه نشرت بفرنسا سنة 1977( منشورات ماسبيرو)، وترجمت إلى العربية سنة2016 عن المركز الثقافي العربي.

يشتغل كتاب ” الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية- 1830-1912 ” على أطروحة مفادها أن المغرب خلال القرن التاسع عشر طغت عليه ثلاث بنيات اجتماعية وسياسية تعايشت كواقع وظلت كل واحدة تتمتع بفاعليتها الخاصة. فالعشيرة حسب العروي تختص بتنظيم الإنتاج، و تتكفل الزاوية بتحقيق الانسجام الاجتماعي ، أما المخزن فيتكفل بالتنظيم السياسي.
وفي كل مرحلة كانت تهيمن سلطة على سلطة أخرى، دون تحقق هيمنة مطلقة لسلطة معينة على البنيتين الأخريين ، على الرغم من أن البلاد- كما يقول العروي- كانت على وشك أن تصبح دولة- قبيلة، أو دولة زاوية، لكن المخزن فرض نفسه كمؤسسة، وإن كان لا يمثل المجتمع برمته، كما أن الاستغناء عن الزاوية لم يتحقق على الرغم من محاولات السلطان تقويض طموحها السياسي..
وعليه، فان التعايش بين هذه الأشكال البنيوية هو ما ميز المجتمع المغربي،و أشر هذا التعايش بين المخزن والسلط المحلية على وجود نزعة ” للتالف الجماعي”، وعلى وجود ما يسميه عبد الله العروي ب” جهاز مغربي قائم بذاته”. وهو ما سيدفع الكاتب للقول بان الوطنية المغربية ولدت من رحم المخزن نفسه.

إنها جدلية خاصة تشتغل فيها البنيات الثقافية وفق نظام يصبو إلى “إعادة إنتاج بنيات النخبة وتكريس تراتبيات المجتمع المخزني”، وهو ما تجلى في حفاظ الفقه على أصالته بنفس القدر الذي حافظ فيه العلماء والأدباء والمخزن والمتصوفة والعامة على أصالتهم أيضا… ورغم تباين المواقف الثقافية لكل جماعة، فإن الحفاظ على الخصوصيات المغربية وحمايتها من المؤثرات الخارجية ظل هو الرهان الأساسي.
إن كتاب ” الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية” يسجل بأن النظام السياسي المغربي، وعلى الرغم من افتقاده للتنظيم الهرمي خلال الفترة المذكورة ،لم يمنعه ذلك من التأسيس لوجوده على أسس متينة.ولكن حين اشتد عليه الضغط الأجنبي أصابه التصدع بشكل جعل ردود فعل كل مكون تختلف من حيث الطبيعة والقوة عن باقي المكونات. ولكن ردود فعل النخب والعموم بمعاداة الأجنبي والتصدي للتأثيرات الخارجية شكلت بوادر أولية لوطنية عفوية يعتبرها عبد الله العروي ” قاعدة |تأسيسية للوطنية المغربة”.
إن وقوف الكتاب على ملامح أزمة المخزن أمام سياسية القوى الخارجية، واستعراضه لأصول الفكر السلفي المغربي ، والظروف المولدة للتسيب والفتنن .، يخلص معها إلى أن حركية المجتمع المغربي بين عامي 1830و1912 تطبعها ثلاث ميزات هي” اختلاف أشكال ردود الفعل في مواجهة التدخل الأجنبي، وتقلص تدريجي للأواصر الاجتماعية للجماعات لصالح الفردانية، وترسيخ قيم الثقافة التقليدية.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock