سعيد ناشيد يكتب : منابع الشقاء البشري تختزلها الميمات الثلاثة : الألم، الملل، و الأمل

أولا، الألم مصدر جدي للشقاء، غير أن الألم الجسدي بطبعه لا يطول، فإما أن ينتهي بقوة الحياة أو ينتهي بفعل الوفاة، أما الألم النفسي الذي قد يطول فإنه لا ينبع مباشرة مما يحدث بل من تأويلنا لما يحدث. هنا يكمن دور العقل النقدي في مراجعة التأويلات المؤلمة سواء من حيث صياغتها أو مضامينها، وبالتالي إمكانية التقليص من أحد مصادر الشقاء. عندما أخبروا زينون الرواقي بموت ابنه، حاول امتصاص الصدمة من خلال إعادة تقييم الأفكار التي تجتاح ذهن أب مكلوم، ثم قال بكل بساطة: لم يكن بإمكاني أن ألد ولدا لا يموت !
ثانيا، الملل أشد شراسة من الألم، غير أن الإنسان الملول لا يحظى بالتعاطف الذي يحظى به الإنسان المتألم، الملل ألم لا يشعر به الغير، وهو ما يزيد من شراسته، ومن ثم يكون التجاهل أحيانا دافعا إلى الانتحار لغاية إثارة الانتباه. الملل ناجم عن أن الإنسان لا يتعلم كيف يقيم داخل ذاته، إذ يعيش في حالة هروب دائم عن ذاته التي يتركها خالية. إنه حين لا يجد أمرا قاهرا أو شيئا مثيرا يشده إلى خارج ذاته فسرعان ما توقعه العودة إلى خواء الذات في دائرة الملل. الملل رسالة يقرأها معظم الناس بنحو مقلوب، إذ المطلوب هو العودة لأجل إعمار الذات بدل البحث عن ملاجئ في أقطار الأرض أو أكناف السماء.
ثالثا، الأمل هو منبع الشقاء الأكثر جدية وجذرية، إلا أن الإنسان الآمل لا يحظى بأي قدر من التعاطف طالما الناس لا يدركون أن الأمل منبع سري للشقاء المزمن. الأمل يجثث الإنسان من حضوره في الحاضر، ويلقي به في فراغ الانتظار بكل مخاوفه القاتمة وخيباته القادمة. مخاوفه؟ لأن الأمل يجلب الخوف من خيبة الأمل. والخيبة؟ لأن لا شيء يأتي في الواقع وفق التوقعات. الأمل هو منبع العنف أيضا: الأمل في الجنة بعد القتال، الأمل في العصر الذهبي الذي سيعقب الثورة، الأمل في الطفرة الاقتصادية التي ستأتي بعد قمع المعارضة، إلخ. يحق للإنسان أن يعمل من أجل غد أفضل، غد أجمل، لكن ينبغي أن يعمل بأكثر ما يمكن من الحب والتعاطف وأقل ما يمكن من التعلق والانتظار.
منابع الشقاء في معظمها فشل في إدارة الذات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock