رياض الفرطوسي يكتب : الرقص مع الذئاب …
كان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح يقول أن حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين . ربما أراد ( صالح ) أن يجعل من نفسه ساحرا يتعامل مع المتناقضات بمهارة ويتملص من لسعات ثعابين السياسة من أجل أن يحكم قبضته على الحكم . أخطر ما ينساه الحاكم أن هناك طبقة من الناس تبيع وتشتري وتخلع قائدها أو زعيمها كما يخلع الخاتم في أوقات الشدة وتلبسه في أوقات الرخاء والأمان . في نهاية المطاف لم تنفع كل مراوغاته السياسية وتم خلعه من السلطة . لنا في حوادث التاريخ شواهد كثيرة منها الذين استدعوا الإمام الحسين ( ع ) ثم انقلبوا عليه، صدام وكيف انتهت به الحال، وعبد الكريم قاسم وقصة الانقلاب عليه وكيف صدرت الأوامر للمدارس بتمزيق صوره وخطاباته ومناهجه . أما الرقص مع الذئاب وهو العنوان المستوحى من فيلم أمريكي أنتج عام 1990 وحصد سبع جوائز أوسكار بوصف عملا دراميا وثقافيا وتاريخيا سياسيا يؤرخ حقبة الحرب الأمريكية . القصة تؤرخ للحرب الأهلية في أمريكا وكيف استطاع البطل أن ينتفض على حالة اللاحرب واللاسلم ويتجه إلى جبهة أخرى وهناك تبدأ له حياة جديدة مع الهنود الحمر وتتوطد علاقته بالمحيط حتى يتعرف على ذئب ويتقاسمان الحياة والوحدة ويرقصان معا على وهج النار في الأيام المظلمة. حتى أطلق عليه الهنود الحمر ( الراقص مع الذئاب ). ظلم الواقع يستدعي أن ترفع مشعل الضوء حتى تستمر وتعيش . مع كل هذا التاريخ السياسي الذي مررنا به وبعضه ترك آثاره على أرواحنا وجلودنا هناك من يعتقد أن التغيير ممكن أن يكون تغيير في الشعارات والعمارات والمجسرات والمجاري ويتعاملون مع مفهوم الدولة كما لو أنها فندق أو شارع أو بناية أو مقهى أو أثاث منزل . ثمة قناعات راسخة وعقلية متناسلة ما زالت متوارثة حول السلطة والحكم والثروة والعائلة والغنيمة واحتكار المنصب والقرار . لذلك تجد أننا دائما نكرر الأخطاء والكوارث والسبب هوعدم قرائتنا للتاريخ ومن لا يقرأ التاريخ لا يستطيع أن يفهم الحاضر من هنا تتكرر التجارب الخاطئة نفسها ( العقلية نفسها والارث نفسه ) مع عدم وجود قطيعة فكرية مع الماضي بمعنى تصفيته وليس الانفصال عنه . نحن نضع كل شروط التنمية في حقل العقد والأمراض النفسية والمساوىء والمصالح . لا نفهم التنمية في بناء العقلية والوعي والفكر والوطن بل نختزلها في إصلاح شارع أو ترميم بناية لا نحاول الاستثمار بالإنسان الذي هو مصدر قوة أي نظام من خلال بناء وعيه لكن نستثمر في العقارات والأزمات . نفهم الفساد والسرقات في نهب الخزينة وليس في نهب الأرض واحتلالها والتجاوز على سيادتها، تلك العقلية الاختزالية ( لا ترى الحقول ولكنها ترى الغربان ). أي فكر أو ثقافة لا ترفع النقاب عن الخراب الحقيقي ولا تضع رؤية استشرافية للمستقبل ستكون عبارة عن خطابات انشائية وخواطر مدرسية يعرفها الجميع . لا يمكنك في مناخ مزدحم بالأقنعة والتزوير والنفاق والتنكر أن ترى بوضوح. النصابون والمزورون والأنذال لا يتساهلون مع من يحمل وجهه الحقيقي . لأن الوجوه أضحت أقنعة تخاف من أي دبوس يفضحها ويكشفها . هنا الفارق بين المجتمعات المفتوحة والمغلقة . بين واقع تتعفن فيه الحقائق وبين واقع الشفافية وثقافة الوضوح والبراءة والعفوية . التاريخ السياسي للعراق معبأ بالأكاذيب وأكاذيب الحاضر تطغى على الماضي ومن يقولون عكس ذلك عليهم أن يقولوا لنا في بيئة الزجز والخوف ووجود الذئاب البشرية هل استطعتم قول الحقيقة أم أنكم تمارسون الصمت ؟ هذا السكوت هو فضاء حقيقي لازدهار الفساد والجريمة والخراب . بعض الذئاب البشرية الشريرة التي تتحكم ببعض شروط الواقع ومن خلال نظرة علمية حديثة تكشف عقول هؤلاء وما تعانيه من خلل وظيفي في هندسة المخ . تجدهم يمتلكون قدرا عاليا من الذكاء ( الذكاء الشرير ) وقدرة هائلة في لعب كل الادوار ( مسرح من الزور ) . من خلال نظرة متفحصة على اجواء الجرائم الان سواء ما تعلق منها بالفساد ام الجرائم الاجتماعية ام الاخلاقية هو دليل على قدرة هؤلاء على التنكر والتنقل من دور الى دور حسب الظروف . بسبب غياب الدراسات الاستراتيجية والوعي القانوني والحس الحقوقي وصورة المستقبل وعدم وجود نخب فكرية رصينة . وصلنا الى ما وصلنا اليه . بدل ان تكون اوطاننا دولا تصلح للحياة والقيم النبيلة والمشرفة والانفتاح والمبادرة والخير والبحث والاختلاف . تحولت الى غابة من الذئاب المفترسة حيث الناس تأكل بعضها بعضا . لا يوجد من يتحمل المسؤولية ولا منطق للتفكير ولا اختيار حقيقي . لابد ان يعرف قائد القطيع ان ( الذئاب المدجنة ) تأكل صاحبها اذا جاعت. على القائد ان يفهم ان هؤلاء لا تربطهم به عقائد وانما مصالح وسرعان ما يبدلون اقنعتهم وجلودهم . يخلعون ذواتهم ليزرعوها في مريد جديد.