السيرة الذاتية للفقيد محمد طارق السباعي

ولد محمد طارق السباعي أيام الاستعمار الفرنسي بمدينة سلا المجاهدة، فتح عينيه وهو يردد الأناشيد الحماسية مع أطفال الجيران وبالمدرسة ويقول دون فهم ملكنا واحد محمد الخامس، اختفى والده لعشرات الأيام وبمناسبة عيد الأضحى جاء بكبش سمين، فسألته الوالدة: أين كنت طوال هذه المدة؟ قال: في ضيافة السلطة الاستعمارية، وكان كتفه يوجعه جراء ضربة بعقب البندقية، ظل يحمل آثارها بصفة أبدية، كل ذنبه أنه كان يقوم بدور التوعية في الأسواق الشعبية.

طفل حالم، أدخل المدرسة صغيرا جدا بالمدرسة المحمدية، و تلك نقطة لم تغرب عن الذاكرة، كان سيتوجه به الوالد إلى مدرسة تعلم الفرنسية، فالتقاه أحد الشيوخ بلحية بيضاء، فوجهه إلى المدرسة العربية، فلا مكان للفرنسية بعد اليوم ..هذا الشيخ له معه ذكرى طفولة عبثية، هو أنه صفعه صفعة قوية لما التقط سيجارة فرنسية، ألقى بها أحد المدمنين على التدخين ، و حينها فهم أن هذه البضاعة بضاعة استعمارية ، تمت التعبئة الجماهيرية لمقاطعتها، طفولة عذبة … يتلذذ بكل ما تحكيه الوالدة و الوالد عن فترات كان يناغى وسط دفء العائلة، و من أبرزها أنه بال على قالب السكر و قيل حين ذاك بأنه ماء) السكر( الزهر، فاستعمل قالب السكر دون وجل و علاقاته الطفولية تذكره بالأم فاطنة و التي كانت أول امرأة تستقبله بيديها الخضراوتين، بحكم أنها مولدته ، فكانت أمه الثانية يزورها في الأعياد ، و تمده بالأوراق النقدية ، إنها ترزق بأبناء فكانت تعتبره ابنها المحبوب أرضعته أمي زهور فأصبحت أمه الثالثة، و الأولى دائما من أنجبته المناضلة الشريفة السباعية للا فاطمة، مدلعة الشريف السباعي سيدي علال ، النائم بحضن جده النبي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، بحيث التحق بالرفيق الأعلى بمكة المكرمة.

كانت أخته الكبرى السعدية تحن عليه وتحميه من بطش البنات به، فيشد بخناقهن، وينادي على حاميته وحارسته القوية، كانت بالبيت ساعة حائطية، لكنها لا تحدد أي وقت لأن يده عبثت بها، حتى تعطلت وأصبحت ديكورا ليس إلا، فكيف كان الذهاب إلى المدرسة دون ساعة؟ إنه المذياع، هو الذي كان يسمعهم من وقت لآخر الساعة الناطقة، تعطل المذياع ذات يوم، فخرج مسرعا للذهاب إلى المدرسة دون معرفة للوقت، فسأل شيخا يلبس جلبابين وسلهاما، فسأله عن الساعة، فأدخل الشيخ يده في صدره ليخرج الساعة ويفتحها ليقول له: السابعة والنصف بالتوقيت العربي، إشارة إلى الساعة الحائطية التي كانت تحدد أوقات الصلاة، أطلق ساقيه للريح دون فهم، فوجد أبواب المدرسة موصدة، وظل ينتظر فتح الأبواب، فإذا باليوم كان يوم عطلة، لم ينبهه لها إلا أحد التلاميذ الكبار.

يتذكر جيدا المعلمين الذين كانوا يأتون للمدرسة أنيقين، مصففين شعورهم، وأحذيتهم لامعة، ترهب وقفتهم جميع من بالفصل، لقد كان أصغر الأطفال، يجلس في الصفوف الأمامية والكبار بالصفوف الخلفية، عند الاستظهار يبدأ المعلم بالكبار ومن التكرار ينال التقدير والإعجاب، ومرة بدأ المعلم به فلم يكن قد حفظ المحفوظة، فنال ضربا مبرحا على رؤوس أصابعه بمسطرة خشبية، ذكريات تتسم بالمحبة وعطف المدرسين، يتذكر ذاك المعلم الذي لاحظ تشعث الشعر فمده بعشر سنتيمات لشراء مشط، و من ذاك اليوم أصبح يهتم لتصفيف شعره، و يا للفرحة لما التقى بهذا المعلم بعد 40 عاما ، الذي أصبح مدير شركة ليذكره بهذه الواقعة .. ونظر إلى شعره فوجده مصففا ومسترخيا بأناقة رائعة.

استغرقت مني كتابة هذه المذكرات وقتا ابتدأ من يوم الخميس 26 نونبر لسنة 2009 و بالمناسبة كان الإعداد لعيد الأضحى المبارك في المدرسة المحمدية عاصر زلزال أكادير، و كنا نسمع من حين لآخر أسئلة البحث عن المتغيبين بالمذياع، و غادر القسم حوالي 15 تلميذا ذهبوا للمشاركة في إنقاذ الضحايا، و بعد عودتهم حكوا لنا كيف كانت الجثث تحت الأنقاض و لاحظوا شح المساعدات التي كانت تأتي من مختلف أنحاء المغرب ، و من الدول الشقيقة ولكنها لم تجد من يستفيد منها لكثرة الضحايا، كان الكبار من زملائي لا يحضرون الكثير من الحصص، و يذهبون إلى صيد الفراخ و التسكع في جنبات البحر، حيث الصيادون يصطادون السمك و يتأملون أمواج البحر ، كان لهم مبرر أن المعلم الأشقر الشعر و القصير القامة لا يتقن الفرنسية التي كان مستوانا آنذاك هو الخامسة الابتدائي و كان التلاميذ يصححون له أخطاءه لأن معلمنا في السنة السابقة كان لبنانيا يعلمنا الفرنسية مترجمة للعربية ( ادمون رحال) ، و كان المشهد رائعا حينما جاء المدير (الحاج محمد المريني ) الذي قام بمحاكمة الفارين من القسم ، و كان كل واحد يبرر غيابه ، فهذا إدريس يقول إنه كان مع والدته يغسل الهياضير بالبحر، و هذا السهلي يقول إنه كان يصطاد الفراخ و ذاك كان يقول إننا نحتج على ضعف معلم الفرنسية الذي لا يفقه فيها شيئا و للتأكد من ذلك أصر المدير على حضور إحدى الحصص ، و لعلمكم فقد كان لا يفقه في الفرنسية و لكنه رغم عدم معرفته للفرنسية غير المعلم لمعلم آخر ، كنت لا أصر على حفظ الدروس و لذلك فقد رسبت في امتحان الانتقال إلى الثانوي ، لكن خبرا سريعا التقطته أذني مفاده أنه كل من حصل على الشهادة الابتدائية ستخول له الانتقال إلى السلك الثانوي ، واخترت الامتحان في الشهادة الابتدائية و كانت المرحلة الكتابية مكللة بالنجاح و اجتزت الشفوي وطرح على تلميذ سؤال غريب : أين تنبت الصوف ؟ فأجاب أحد المرشحين الذي يكبر 10 سنوات، الصوف ينبت في جبال الأطلس فانفجرت ضاحكا وكشر في وجهي الممتحن موجها إلى السؤال نفسه، فأجبته بصفة في النفس إن الصوف ينبت في ظهر الخروف، لكن كانت النتائج تعلن بمكبر الصوت وأتذكر جيدا أنني عندما سمعت اسمي من بين الناجحين، فنزعت حذائي وانطلقت كالسهم من مدرسة الصور إلى منازلنا سانية حصار رقم 40، وفي الطريق وجدت والدي وأختي الكبيرة يعترضان سبيلي بيديهما المفتوحتين ليوقفاني، ولم أبالي بهما صائحا: لكن نجحت! …ذات يوم، و نحن تتجول في جنبات البحر شاهدنا بقعا من الزيت بوادي أبي رقراق ، و علمنا فيما بعد أن أحد تجار الزيوت قام بإفراغها في الوادي الحار و كانت أمي تختفي و تحكي لنا عن برامجها اليومية بالتفصيل و التدقيق مما بقي في أدهاننا، أنها حضرت لموكب هدايا العريس لعروسته حيث ينطلق الموكب إلا بعد تثبيت ورقة في قصبة ، و تسألت والدتي عن محتوى ما كتب في تلك الورقة ، حتى أباها قريب العروسة قائلا و الفرحة تعلو محياه ، إنها شهادة طبية مكتوب فيها فاطمة عاتق أي عذراء، كان أبي ابن الشعب يحب المغرب بجوارحه : المغرب بلدا أما ملكا و شعبا ، حيث بين أوراقه رحمه الله قال قبل وفاته: خدعت نفسي وظننت أني أقدم أفضل و أنبل الخدمات للدولة المغربية و لملك البلاد، فضحت الفاسدين و لم تحرك النيابة العامة سلمنا ، بل تجرأ الفاسدين بشتى الطرق عن تهديدي و التهديد بمقاضاتي، فنيت عمري و صحتي و قلبي لصالح الدولة المغربية و للملك.. يا أبتاه وا أبتاه ضحيت بالنفيس، الغالي والنفيس من أجل الوطن ووطننا الحبيب المغرب.

الحبيب أصبح يثلج الصدر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، معنى خاص هو حب الوطن، المغرب الحبيب

أصبح يثلج الصدر معنى خاص هو حب الوطن ومعنى عام حب الصالح العام وحب المغرب مغرب الأحرار مغرب الأحرار مغرب الحرية والانطلاق مغرب قلبي وفؤادي ….

القصيدة قصيرة في حقه كل عام و أنت في سلام فلترقد روحك الطاهرة في سلام،  كان رحمه الله حبيب الضعيف و شاركني حبه أخواته و أبناء و بنات الوطن الحبيب مغرب الأحرار، كان يقول لي دائما أنا في عبادة و هو يبحث و ينقب على الحقيقة و الحقيقة و البرهان أنه في الجنان الآن لم تخنه ا ابتسامته، دائم الابتسامة ، دائم الفرح ، دائم السرور و الاحتفاء بالضيوف، و الآن هو ضيف الرحمن دائم الحب و العطاء و التفاني في العمل وتقديم المساعدة القضائية و المادية و المعنوية لجميع من قال السي السباعي،  و كانت تقول له المذيعة وصلت يا سباعي،  أي فهمناك كان يطيل الشرح لأنه رحمه الله يؤمن بقضية، والإنسان هو المبدأ هو القضية، فضح الفساد و ها مغرب الأحرار بدون فاسدين كشف السر، حب المغرب الحبيب ملكا و شعبا، ذهب إلى دار البقاء و هو الآن يعرف الأسرار بحياة البرزخ إن شاء الله سيتعلم أن مقامه عند الله كما كان يتمنى للجميع الجنان، قال خيرا أو صمت ، كثير المطالعة يطيل قراءة الجرائد إلى أن ينام مطمئنا لأنه لم يرتكب معصية و لم يؤذ أحدا و لم يجرح مشاعر أحد أحب الجميع قال كلام خير فنام مطمئنا سيشهد التاريخ الرجل محمد طارق السباعي ، رجل ضد الرشوة و لا يقبل بالغش و الخداع، فقط حب الله و الوطن و المغاربة ملكا و شعبا، لن أقول كان أبي و لكن كان رجلا شهما ذا قيم، كنت أخجل منه كثيرا كان حنانه يغمرني و تملؤني الفرحة بابتهاجه و ابتسامته دائما البسمة على محياه يصافح الكل و يقبل جبين الرضيع العالي الرضع و الأطفال و يشد على أيدي الكبار و يفضح الفساد، وداعا أبي إلى اللقاء في جنة الفردوس الأعلى ستبقى راسخا في قلوبنا و كبيرا في نظرنا ، بصرك اليوم حديد ترى الملائكة و برعم الزهرة تروي الحكايات للأطفال و الطفولة الجميلة علمتني أن الطفل ناضج و واع و متأكد مما يريد و الجناس التام و الجناس الغير التام كالمزحة و أنت ماشي ديال المزاح، كل شيء على الشباب يهون هكذا همة الرجال تكون، فنانتك تحبك إلى الأبد و لكن دموع الرجال غالية لا أحد يشكو من المرض و لا يحمد الله كثيرا عانى قلبك الرؤوف، كنت رحيما بي عند مرضي أنا كذلك و فرجت عني كرب الدنيا المرض و الموت و القهر و الوحدة ولكن الحياة بعدك فارغة يوم بلا طعم ، رحيلك عني إلى الأبد يا زعيم قل لي ابنة من؟ أقول لك من أنت، و لكن الله غفور رحيم،  المال للفقراء و للأغنياء، قالها الوزير الأول عفا الله عما سلف و ورقة جديدة من حياتي بالأمل و الحب و حب الأوطان و حب الإخوة و حب الجار و حب العم المغرب عائلتي ، أفراد أسرتي المغرب وطن الأم و أبي رحمه الله لا للاعتقال التعسفي و تجميد الأشعار و الفن التشكيلي مرحبا بكم إلى مغرب جديد يسوده الحب و الأم الحنون الروم حفظ الله أمهاتنا الأمهات العازبات الجميلات العالم جمال في جمال و حب و الوئام و الهيام و السلطة الرابعة و الثانية و الأولى محكمة الحق فيها أبي الآن فليغفر الله لنا اللهم آمين يارب العالمين.

الذهاب والإياب إلى بيت الله الحرم المكي ورسولي الكريم من سلالته السباعيين آل البيت الكريم الله ارحم اللهم اغفر الوداع الأخير عند للا بهيجة قبلت الأرض التي أنت فيها يا شامخا يا حبيبي الأبدي اعتنيت بي فلا جناح ولا جناية عليك الأمن والسلام.

بواسطة
سحر طارق السباعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock